الجمعة، 28 فبراير 2014

معركة المراغمة....



معركة المراغمة....
==========
، قد كشف ابن القيم طبيعتها، ووضع خارطة موقعها، وبين المدارج التي يسلكها المؤمن لنيل النصر فيها على هذا العدو الذي يجري منه مجرى الدم.

· وفي أول تماس في هذه المعركة الأبدية يحاول الشيطان أن يستغل عنصر المفاجأة، فيوقع في القلب شبهات الكفر الكامل، ويصرع بذلك أكثر البشر في كل جيل، إلا أن صراعاه قلائل في اتباع محمد -صلى الله عليه وسلم- بعد إذ تخالط بشاشة الإيمان القلوب، وهم أقل وأندر في الماشين مع ركب الدعاة، وإن كان ثمة نكوص فإنما يكون بأوهام تصاحب التفلسف، تغرى باعتقاد وحدة الوجود، وأمثالها، إن هذا الوجود حقيقة إلهية واحدة، ليس ثم خالق ومخلوق.

· فإن لم يظفر الشيطان بالمسلم هنالك: دعاه إلى شبهات من الابتداع، زيادة ونقصا في الاعتقاد والعمل، والمتورطون في ذلك من الأمة كثير، ولا يخلو مجتمع الدعاة من جديد لم يكمل فقهه، أو قديم لم يتمحض ومصاحبة الصحيحين تكفل البراءة وتجاوز بالداعية، تقربه نحو النصر.
· إلا أن الشيطان طويل الأنفاس، فيقتحم على المسلم مزينا الكبائر من الشهوات، وله في ذلك انتصارات، لكن نمط التربية عند الدعاة جعلهم بحمد الله تعالى في حماية.

· إنما صغائر الشهوات هي ساحة الشيطان الرابعة التي تتسع صولاته فيها، وما ينجو مسلم ولا يكاد، أما الغافل فيخرج طريحا مثخنا بالجراح، وأما الداعية فقائم منافح، غير أنها الخدوش.

· فيعرف الشيطان أن عليه أن لا يصادم الداعية جباها، إذ فيه من صفات الفطنة والذكاء فوق الهمة والحمية ما يتاح له بها التملص إن لم يتقن الطعان، فيجري على خطته التحوير، ويندس له بأسلوب الناصح، يحثه أن يستكثر من مباح لم يختلف الفقهاء في حله، لينغمس، فيثقل ويركن، فيبرد، ولذلك كانت التربية على معاني التقلل من المباحات الملهية من ضرورات العمل الحركي الإسلامي، فإن الدعاة ثلة مستنفرة أبدًا، متأهبة للجهاد دومًا، ولا بد أن تكون سريعة الاستجابة لمتطلبات الظروف، ومن شأن المباح إذا كثر أن يزداد تفكير صاحبه به، ويأنس قلبه له، فيقعده عن نجدة واجبة، أو فرصة سانحة.
ولقد تعلم الدعوات هذا الخطر، فترسلها مواعظ ووصايا للدعاة، ولكن المباح يدب دبيبا خفيا.

· فإن تملص الداعية وسل نفسه: لم يك استعلاؤه على الراحة والرغد كافيا لحصار الشيطان في زاوية اليأس، بل للشيطان محاولة سادسة، فيكون له التفاف واقتحام من ثغرة أخرى، فينثر ترتيب قائمة الأولويات النسبية، ويعكس القواعد الشرعية في تفاضل الأعمال الإيمانية، ويلهي المؤمن بالمفضول المرجوح، فيقصى من له علم نافع عن جمهور المنتفعين منه، ويشغله بزيادة ركوع وسجود، هما جليلان، لكن التعليم أوجب عليه بعد الفرض منهما، وينقل آخر له وفرة قوة وبسطة في الجسم والذكاء، وخبرة في السياسة والإدارة من تفاعله المنتج مع يوميات الخطة الجماعية، ومن صولاته في ساحةالفكر، إلى إشراف على بناء مدرة أو إغاثة منكوب.

فمن استمسك بالفاضل الراجح، وزهد، وأبى تلبية نداء الشهوات، ولم تستز له الشبهات، فقد راغم الشيطان أبلغ المراغمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق