الاثنين، 10 نوفمبر 2014

الطرف الثالث :

المقصود بالطرف الثالث هو من ينوب عن الأمة من : الأمناء والخبراء والحكماء والمرجعيات وأهل الحل والعقد وأهل النظر والاجتهاد ، وأهل الثقة والرشد والشرف ، وقيادات الجيش ، ورجال القضاء ، ومراكز الدراسات الإستراتيجية ، والمراكز البحثية والعلمية المتقدمة ، وشيوخ القبائل والعشائر ، ومؤسسات المجتمع المدني ، ومنابر الرأي ، ورجال الفكر والمثقفين ، والاتحادات الطلابية ، والاتحادات النسائية ، والاتحادات العمالية ، واتحادات الفلاحين ، والنقابات المهنية ، والغرف التجارية ، والطوائف التي لها مطالب خاصة أو روابط جهوية «كالأقباط والنوبيين وأهل سيناء وسكان الصحراء الغربية» .
فهؤلاء جميعا يمثلون الطرف الثالث للأمة بين الراعي والرعية ، وهم القوة الصامتة المحايدة الخارجة عن الانتماء الحزبي والغير خاضعة للسلطة أو لأهواء الرعية ، ولها من الحصانة والقوة والاستقلال ما لا يجعلها تميل مع طرف من الأطراف.
ينبغي وجود الطرف الثالث كطرف بين السلطة والأمة ، وهو الخطاب الجماعي الوارد في القرآن الكريم ، والمقصود عموما من الخطاب الجماعي أن تتحرك الجماعة كهيئة اعتبارية فالمجموع في هذه الحالة له دوره .
وهو الذي يمنع من استعار الصراعات بين الأطياف المختلفة ، ويحفظ توازن الأمة ، ويؤكد وحدتها وتماسكها الاجتماعي ، ويحافظ على الأمن القومي ، ويمثل قوة حياد مستمرة لا تنحاز إلى أي من الأطياف المتصارعة ، وهو يمثل الجمهور والسواد الأعظم من الناس غير المنتمي لتجمعات أو أحزاب سياسية ، وفي نفس الوقت يحافظ على ثوابت الأمة من : إعلاء كلمة الله ، إظهار الدين ، حفظ البيضة ، تطبيق الشريعة ، الأمن القومي للمسلمين ، الامتلاء بالقوة وامتلاكها ، التنمية ، الرعاية الاجتماعية ، والعدالة الاجتماعية وغيرها من الثوابت التي لا تقبل المساومة أو النقاش .
وهؤلاء مجتمعين لهم إطار مؤسسي لتوسيع نطاق المشاركة في القرارات المصيرية وحل النزاعات العامة وخاصة تلك النزاعات التي تكون السلطة طرفا فيها .
وهذا التمثيل يكون خارج التمثيل النيابي ، وهو معمول به في الدول الاسكندنافية .
وأصله في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما اتفق مع غطفان وهوازن اتفاقا مبدئيا في غزوة الأحزاب على أن يرجعوا عن المدينة ولهم ثلث ثمارها فلما همّوا بإمضاء الاتفاق قال لهم : «لا حتى أستأمر السعود» والسعود هم قادة المدينة ، وهذا أمر يخصهم فلا بد من شوراهم الملزمة (وقد رفضوا هذا الاتفاق وأبوا عن إمضائه) .
والطرف الثالث يمثل برلمانا حقيقيا موازيا وله مؤتمراته وصحفه وله حق التظاهر السلمي. وله توصياته المستمرة.

مهام الطرف الثالث :

1ــ الصلح بين طرفي النزاع ، أو الانتصار من الفئة الباغية ، أو عزل من ينبغي عزله إذا كان في بقائه خطر على الأمن القومي للأمة .
فالنزاع قد يكون بين الراعي والرعية ، وقد يكون بين الرعية وبعضهم البعض ، وقد يكون بين الحكام وبعضهم البعض يقول تعالى : ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الحجرات:9] .
فهو يقوم بعملية تصالح في المجتمع ، والوقوف في قضايا الرأي العام المصيرية «كالفساد والاستبداد والتعتيم الاعلامي ، والحلول العادلة لسياسة الأجور ، وغيرها من مطالب الأمة المشروعة» .

2ــ الفصل في النزاع :
يقول الإمام الشافعي رحمه الله في كتاب «أحكام القرآن للشافعي» :
«قال تعالى : ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ﴾ [النساء:59] ، يعني إن اختلفتم في شيء ، وهذا إن شاء الله كما قال في أولي الأمر ، لأنه يقول : ﴿فإن تنازعتم في شيء﴾ يعني والله أعلم : هم وأمراؤهم ، الذين أمروا بطاعتهم : ﴿فردّوه إلى الله والرسول﴾ يعني والله أعلم : إلى ما قال الله والرسول ، إن عرفتموه وإن لم تعرفوه سألتم رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه ، إذا وصلتم إليه أو من وصل إليه ، لأن ذلك الفرض الذي لا منازعة لكم فيه ، لقول الله عز وجل : ﴿وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ [الأحزاب:36] ، ومن تنازع ممن بعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد الأمر إلى قضاء الله ، ثم إلى قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن لم يكن فيما تنازعوا فيه قضاء نصا فيهما ولا في واحد منهما ردوه قياسا على أحدهما».

3ــ امتلاك سلطة الترشيد للراعي والرعية :
يقول الله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [النساء:135] .
ويقول الله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة:8] .
ويقول الله تعالى : ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحديد:25] .
«حدثنا أبو حفص أحمد بن حنبل الفقيه ببخارى ثنا صالح بن محمد بن حبيب الحافظ ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو أسامة قال سمعت سفيان بن سعيد يقول أنبأ الأعمش أنبأ أبو عمارة عن صلة بن زفر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : يكون عليكم أمراء يتركون من السنة مثل هذا ، وأشار إلى أصل إصبعه ، وإن تركتموهم جاؤوا بالطامة الكبرى ، وإنها لم تكن أمة إلا كان أول ما يتركون من دينهم السنة ، وآخر ما يدعون الصلاة ، ولولا أنهم يستحيون ما صلوا . هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه».
وهو الغرض من الرسالة ، من الشهادة لله ، والقيام بالقسط ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ونصرة الضعيف ، والأخذ على يد المخالف ، ولمنع أن يبغى أحدٌ على أحدٍ ، ويصبح هناك قبول للآخر ، ووقف النزعة الديكتاتورية الإقصائية ، وتأكيد التعايش بين الأطياف المختلفة .

4ــ منع الاستبداد البرلماني :
كذلك من مهامه أن يمنع الاستبداد البرلماني الذي قد يحدث حتى في النظام الرئاسي في حال مجيء الرئيس والبرلمان من نفس الحزب مع أن انتخاباتهما منفصلة ، فيكمل هذا البرلمان الموازى عملية الرقابة الجادة والشفافة مع البرلمان الأصلي .

(من كتاب "الحكومة الإسلامية: رؤية تطبيقية معاصرة" - الشيخ عبد المجيد الشاذلي رحمه الله)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق